الأربعاء، 12 يونيو 2013

حقوق الإنسان في الإسلام


حقوق الإنسان في الإسلام

إعداد / طلال بن مسلم السناني

الحمد لله ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد :

فإنه عند النظر إلى المؤلفات التي تطرقت إلى موضوع حقوق الإنسان في الإسلام ، نجد أن الكثير من المؤلفين قد انطلقوا – عند الحديث عن حقوق الإنسان في الإسلام – من مبدأ الحفاظ على التكريم الإلهي للإنسان.

ومن هذا المنطلق يرى الباحثين أن خلاصة دعوة الرسل هي الحفاظ على حق الإنسان الذي منحه إياه الله ، يقول ابن تيمية في كتابه العبودية: إن خلاصة دعوة الرسل أول ما تعني: إلغاء الأرباب من دون الله، وتحرير البشرية من تأله الإنسان على الإنسان يشرع له، ويتصرف به كيفما يشاء ، حتى أن عتبة الدخول إلى الإسلام تبدأ بشهادة أن لا إله إلا الله ، والانخلاع من سائر الألوهيات ، والأرباب، التي تشكل مشكلة البشرية تاريخيا حيث لا تلبث أن تحول الزعامات إلى أرباب وأوثان، تمارس السيطرة على الناس وتهدر آدميتهم، وتتحكم بمصائرهم، وعندها تبدأ العبودية المتبادلة بحيث لا يكاد ينجو منها أحدا([1]) ، وهذا مصداقا لقول الله عز وجل: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

وقد أيقن كثير من الصحابة هذه الرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان وقاموا بتطبيقها عمليا دون تراخي ، ولعل في حادثة أبي ذر الغفاري مع بلال الحبشي أنموذج لمراعاة حق الإنسان في الإسلام، واسترداد الإنسان المظلوم لحقوقه التي فرضها الله، ففي هذه القصة تلاحى أبو ذر الغفاري مع بلال ، فنهر أبو ذر بلالا قائلا: مه يا بن السوداء ، فشكا بلال أبا ذر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستدعى الرسول أبا ذر ، وقال له: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ»([2]) ، فأقسم أبو ذر أن يضع خده على الأرض ويدوس بلال بقدمه على الخد الأخر، ليقتلع ما في نفسه من آثار الجاهلية.

يقول مفتي:([3]) " إن حماية إنسانية الإنسان ، هو مقصد الشريعة وغايتها، ذلك أن الشريعة إنما جاءت لتحقيق مصالح العباد  في معاشهم ومعادهم، وأن مصالحهم لا تتحقق إلا بحماية الكليات الخمس (الضروريات الخمس) ، وهذه الضروريات هي: العقل ، والدين ، والنفس ، والعرض ، والمال . وهي في الحقيقة حقوق الإنسان الأساسية التي لا تتحقق إنسانيته ، وتحفظ كرامته، إلا بتوفيرها، وحمايتها، كحق الحياة، وحق حرية التدين والاختيار، وحق التملك والتصرف، وحق بناء الحياة الاجتماعية والنسل، وحق التفكير والتعبير".

والإسلام لم يكتف بتقرير هذه الحقوق ، بل وضع الضمانات لحمايتها ، واعتبر انتهاكها والاعتداء عليها جريمة، وجعل عقوبتها نصية غير قابلة للاجتهاد.

وقد يرى البعض أن البحث في حقوق الإنسان في الإسلام ليس بالضرورة، ذلك أن هذا الحق مثبت في الشريعة الإسلامية، بينما يرى الباحث أن هناك حاجة ماسة للبحث في هذا المجال ، ويتفق في ذلك مع المبررات التي ساقها القيسي([4]) -في كتابه موسوعة حقوق الإنسان في الإسلام – على النحو التالي:

1.      الظلم الذي تسببه الهجمة القادمة من أوساط غربية ضد الإسلام، وضد المسلمين ، فيما يخص حقوق الإنسان، واستعمالهم هذه المسألة لإيذاء المسلمين وخلق الفتن بينهم.

2.                  الادعاء والتباهي دون وجه حق من عديد من الغربيين بما لديهم من تصور حول حقوق الإنسان.

3.      تجلية صورة حقوق الإنسان لدى عديد من المسلمين الذين سممتهم الدعاية الغربية، وسممهم الزعم بعدم وجود تصور شامل وسليم لحقوق الإنسان في الإسلام.

4.                  إن في عرض تصور شامل لحقوق الإنسان في الإسلام دعوة لغير المسلمين إلى دخول الإسلام واعتناقه.

5.      إن وضوح صورة حقوق الإنسان في الإسلام وتطبيقاتها لدى عديد من المسلمين – الذين حال الجهل بدينهم بينهم وبين الصورة النقية لحقوق الإنسان في الإسلام – خطوة على الطريق إلى الإمام نحو التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة في العالم الإسلامي.



([1])  نقلا عن: محمد مفتي وآخر ، النظرية السياسية الإسلامية في حقوق الإنسان الشرعية ، قطر ، ط1، 1410، ص12.
([2])  صحيح البخاري ، دار طوق النجاة، 1422ه،  الجزء الأول ، ص15.
([3])  محمد مفتي ، مرجع سابق ، ص 15.
([4])  مروان القيسي، حقوق الإنسان في الإسلام، ج1، 1426ه، ص29-31.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق