الأربعاء، 12 يونيو 2013

ربانية التربية الإسلامية.



اعداد : طلال مسلم السناني

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين  ، وبعد

يعيش المسلم في ظل التربية الإسلامية حياة ملؤها السعادة والاطمئنان، فهو يشعر بالراحة النفسية والاجتماعية، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن كل شيء في هذا الكون  يحصل بقدر الله عز وجل .
ومن هنا تتجلى أهمية التربية الإسلامية وقيمتها ويظهر ذلك من خلال ما يلي:-

·  أنها تنظم حياة الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، فالله عز وجل هو الخالق الرازق المستحق للعبادة، والإنسان مخلوق وظيفته عبادة ربه والتوجه إليه دائما.

·    إنها تحقق السعادة للإنسان في الحياة الدنيا والآخرة، فالمسلم يعرف قيمة الدنيا، فعالمه أوسع من عالم الحياة المادية الأرضية وحدها، فالتربية الإسلامية تقوم على أساس الواقع المادي والروحي للإنسان دون الاقتصار على جانب واحد منها فقط قال تعالى:" وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ" ( القصص، 77).

·   أن التربية الإسلامية تنظم حياة المسلم مع مجتمعه الذي يعيش فيه، وتعمل على تقوية الروابط بين المسلمين ودعم قضاياهم والتضامن معهم قال تعالى:"إنما المؤمنون أخوة "(الحجرات،10).

·   أن  التربية الإسلامية تهتم بكل مقومات الإنسان الجسمية والعقلية والنفسية والوجدانية وتسعى إلى تحقيق التوازن التام بين كل هذه المقومات.

 

ولعل التربية الإسلامية قد اكتسبت تلك الأهمية والقيمة لأنها تتميز بعدة خصائص ، وأولى هذه الخصائص  أنها تربية ربانية مصدرها الرئيس هو القرآن الكريم ، قال تعالى : (وَنزلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل،89).

قال ابن مسعود في تفسير هذه الآية : إن الله عز وجل قد بين لنا في هذا القران كل علم، وكل شيء.

وقال ابن كثير: " إِنَّ الْقُرْآنَ اشْتَمَلَ عَلَى كُلِّ عِلْمٍ نَافِعٍ مِنْ خَبَرِ مَا سَبَقَ، وَعِلْمِ مَا سَيَأْتِي، وَحُكْمِ كُلِّ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَمَا النَّاسُ إِلَيْهِ محتاجون في أمر دنياهم ودينهم، ومعاشهم وَمَعَادِهِمْ".([1])

والقصد بالربانية في هذا البحث: "أن أحكام الإسلام وتوجيهاته مصدرها الأصلي من الرب عز وجل وليست نابعة من أهواء البشر، وهذا ما يميزها عن النظريات الوضعية التي مصدرها الهوى، والأفكار القابلة للرد والتعديل فتتغير وتتبدل حسب الأهواء والشبهات".([2])

ومن خلال ذلك يتضح لنا أن ربانية التربية الإسلامية قد جعلت منها تربية متكاملة تشمل جميع جوانب الفرد والمجتمع.

وبهذا المفهوم نجد أن التربية الإسلامية تستمد أهدافها من كتاب الله عز وجل وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام،  وتقوم على الأصول الإعتقادية، والتعبدية ، والتشريعية ، والأخلاقية ، والاجتماعية ، والاقتصادية التي نادي بها الإسلام .

ولكون التربية الإسلامية تربية ربانية نجدها أنها اكتسبت الكثير من المميزات التي ميزتها عن غيرها من أنواع التربية ، ولعل من أبرز هذه الميزات ما يلي:

 أولا: أنها تربية تخضع لشريعة الله وحكمه دون أهواء البشر وميولهم.

ثانيا:  أنها تربية لا تتطلب من الإنسان المثالية المطلقة ، وإنما تنمي وتؤهل الإنسان  في حدود طاقاته البشرية وقدراته واستعداداته ، قال تعالى (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) . وتفسير الآية يُشير إلى أن دين الله يسر لا مشقة فيه, فلا يطلب الله مِن عباده ما لا يطيقونه.

ثالثا: أن الغاية النهائية  للتربية الإسلامية هي تحقيق العبودية لله في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية، قال تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصكم به لعلكم تتقون).

 

 

وعند المقارنة بين التربية الإسلامية والتربية المبنية على الفلسفات الفكرية الوضعية([3]) ، نلحظ ما يلي:


أولا: من حيث المبادئ العامة:

 فمبدأ الفلسفة الطبيعية هو أن الطبيعة الذاتية هي التي ترعى وتهذب السلوك للأفراد.

 أما الفلسفة التربوية المثالية فأمنت بوجود أفكار عامة ثابتة مطلقة مستقلة من عالم الخبرات اليومية ومقرها العالم المثالي، والحقيقة النهائية توجد في عالم الأفكار أو عالم الحقيقة المطلقة.

 بينما مبدأ الفلسفة التربوية الواقعية هو أن الواقع يشمل الحقائق جميعها وهو عالم مستقر وثابت.

 في حين نظرت الفلسفة البراجماتية إلى أن العالم نسبي غير ثابت وفي حالة تغيير مستمر.

 وفي المقابل نجد المبدأ المحدد الواضح في التربية الإسلامية والمتمثل في تحقيق مبدأ العبودية لله وحده لا شريك له.

 

ثانيا من حيث النظرة إلى التربية :

 فالفلسفة الطبيعية سعت إلى إشباع رغبات الطفل وإكسابه الخبرات المباشرة من تفاعله مع الطبيعة.

 أما الفلسفة المثالية فذهبت إلى إحاطة الطفل بالمثل العليا وغرس فكرة الخير والشر في ذهنه.

وذهبت الفلسفة الواقعية إلى مساعدة الإنسان للتكيف وإتاحة الفرصة للفرد لأن يغدو شخصا متوازنا فكريا، وأن يكون في الوقت نفسه جيد التوافق مع بيئته المادية والاجتماعية.

 بينما نظرت البراجماتية للتربية على أنها هي الحياة وليس إعداد الإنسان للحياة، وتستمر ما دام الإنسان حيا والفرد يتعلم من خلال العمل والتجربة من اجل تنميته الكفاءة الاجتماعية وتطويرها وتلبية حاجات الإفراد كل حسب قدراته ومواهبه الذاتية.

 وفي المقابل يلاحظ أن النظرة الإسلامية للتربية تتمثل من خلال تحقيق التوازن في نمو الفرد جسميا وعقليا وروحيا وأخلاقيا واجتماعيا.

 

ثالثا: من حيث النظرة إلى القيم :

رأت الفلسفة الطبيعية والواقعية أن القيم نسبية متغيرة، بخلاف المثالية التي رأت أن القيم ثابتة لا تتغير، و البراجماتية ذهبت إلى أن قيم الحق والخير غير مطلقة وتتغير بتغيير الزمان والمكان.

 في حين رأت التربية الإسلامية أن القيم مطلقة ونابعة من القرآن والسنة ويمكن تنميتها بالممارسة والمتابعة والتشويق.

 

وبناء على ما سبق يمكن أن نستنتج ما يلي:

·       أن القرآن الكريم هو كتاب تربية وتوجيه كما هو كتاب عقيدة وعبادة في الأصل، وأن القرآن الكريم كشف عن حقيقة الإنسان والغاية من وجوده والمصير الذي ينتهي أليه، وتكفل بتربيته على أسس قوية مما يجعله أعظم مصدر للتربية .

·        ضرورة رد التربية الإسلامية إلى مصادرها التشريعية الأساسية المتمثلة بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

·        أن التربية الإسلامية تتصف بالتكامل والشمول والتوازن والثبات وعدم التناقض بين مفرداتها، وهذا عائد إلى مصدرها الإلهي، بخلاف الفلسفات الفكرية التي تناقضت واختلفت في مبادئها وتطبيقاتها بسبب اختلاف الفكر لدى واضعيها.

 

 

 

هذا وصلى الله على نبنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين

 



([1])  ابن كثير، تفسير القران العظيم، دار طيبة للنشر، ط2، 1420ه، (4/595).
([2])  خالد الحازمي، اصول التربية الاسلامية، المدينة المنورة، دار الزمان، ط2، 1425ه، ص45.
([3])  أعتمدت في هذه الجزئية على دراسة بعنوان : التربية من وجهة نظر الفلسفات الفكرية والتربية الإسلامية، للمعتصم بالله سليمان الجوارنة، والمنشورة على الرابط التالي:
http://www.tarbyatona.net/articles.php?action=show&id=109

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق