الاثنين، 10 يونيو 2013

الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي( 1990- 2000 ).


 

الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع

الأمريكي( 1990- 2000 )

اسم الباحث : عصام عبد الشافي

عرض : رجب الباسل

شهد العالم المعاصر في العقد الأخير من القرن العشرين العديد من التطورات والتحولات الدولية والإقليمية، والتي أفرزت العديد من الآثار والتداعيات، من أبرزها ما عرف بـ "صحوة الأقليات" حيث شهد العالم بروز موجة من الثورات والصراعات العرقية والدينية والطائفية في العديد من الأجزاء، ترتب عليها العديد من الأضرار والأخطار؛ ففي الوقت التي شكلت فيه الأقليات تحدياً كبيراً يهدد الأمن والاستقرار الداخلي، بل والدولي، كانت هي المتضرر الأكبر من الصراعات التي أثارتها، والتوترات التي ترتبت عليها.

ولم تكن الأقليات الإسلامية في العالم المعاصر بمعزل عن هذه التطورات، فقد كان لها دورها ووجودها الفاعل والمؤثر، هذا الدور الذي اختلف باختلاف المجتمع الذي توجد فيه، والمقومات التي ترتكز عليها، والأهداف التي تسعي إلي تحقيقها.

وفي هذا الإطار برز دور الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، أمام سعي هذه الأقليات إلي تشكيل وترسيخ هويتها المتميزة وسماتها المشتركة في مواجهة الجماعات الأخرى التي يتكون منها المجتمع، وذلك من خلال العمل علي تفعيل أدوارها ونشاطاتها في مختلف المجالات ومنها المجال السياسي، ومن هنا جاءت الدراسة التي تقدم بها الباحث المصري عصام عبد الشافي للحصول على درجة الماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة تحت عنوان: "الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي 1990 – 2000".

وتنبع أهمية هذه الدراسة أنها تأتى في ظل التطورات العالمية والإقليمية الراهنة، وتزايد الحديث عن مفاهيم العولمة، والحدود المفتوحة، وتزايد الاهتمام بحقوق الإنسان والحريات الدينية، وغير ذلك من الاعتبارات التي تعطي مزيداً من الاهتمام بقضايا الأقليات بصفة عامة، والأقليات الإسلامية بصفة خاصة، نظرًا للأبعاد المتجددة التي اكتسبتها مشاكل هذه الأقليات في ظل هذه التطورات، والمراحل الانتقالية التي يمر بها تطور النظام الدولي المعاصر، والدور الذي يمكن أن تقوم به الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي في إدارة هذه التطورات وتلك الصراعات بما يخدم القضايا والمصالح الإسلامية.

وكذا طبيعة التطورات المجتمعية الهائلة التي تفرض تحدياتها علي الأقليات الإسلامية في الدول الغربية بصفة عامة، والولايات المتحدة بصفة خاصة باعتبارها أهم مراكز التطورات والتحولات التي يشهدها العالم المعاصر.

وقد سعت الدراسة للبحث في تأثير قضية الهوية والاندماج، بين أبناء هذه الأقليات في ظل التعدد في الانتماءات والتنوع في الهويات على طبيعة وأبعاد الدور السياسي الذي تقوم به الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، وبيان طبيعة العلاقة بين شعور الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي بالتمايز في هويتها، وبوجود قواسم وسمات مشتركة تجمع بين أعضائها، وبين فاعلية الدور السياسي الذي تقوم به داخل هذا المجتمع.

وركزت الدراسة على تناول العلاقة بين عدد من المتغيرات الأساسية هي: الأقلية، والدين، والهوية، من حيث بيان طبيعة هذه العلاقة ومحدداتها، وما ترتب عليها من نتائج وانعكاسات على الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، وذلك في إطار محورين؛ يتناول أولهما القضايا، ويتناول الآخر المنظمات.

القضايا: تم التركيز بصورة رئيسية علي الإشارة ـ بإيجاز ـ إلى عدد من القضايا الأساسية التي تشكل محور اهتمام المسلمين في المجتمع الأمريكي، وطبيعة الجهود والنشاطات التي قاموا بها للدفاع عن هذه القضايا، وقد تم تحديد هذه القضايا من واقع نتائج المسح الذي قام به المجلس الإسلامي الأمريكي عام 2000 بين الأقليات والجاليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي لتحديد القضايا الرئيسية التي تشكل محور اهتمامهم.

المنظمات:تم التركيز في إطار تناول الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي علي تناول ـ بإيجاز ـ الجهود والنشاطات التي تقوم بها المنظمات التالية:

1 ـ منظمة أمة الإسلام الأمريكية ـ وتعرف اختصاراً بـ “AIN”.

2 ـ المجلس الإسلامي الأمريكي ـ والذي يعرف اختصاراً بـ “AMC”.

3 ـ مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، ويعرف اختصاراً بـ "CAIR".

والتي جاء اختيارها تحديداً استناداً لعدة معايير من بينها: الأقدم تاريخياً (وهو ما توفر في منظمة أمة الإسلام)، والأنشط سياسياً (وهو ما توفر في المجلس الإسلامي الأمريكي)، والأنشط مدنياً (وهو ما توفر في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية)، وذلك وفقاً للبيانات والنشاطات والفعاليات التي تقوم بها هذه المنظمات، والأدبيات التي تناولت هذه النشاطات وتلك الفعاليات.

وفي هذا الإطار تم تناول نشأة وتأسيس هذه المنظمات، وبيان الأهداف التي تسعى إلي تحقيقها، ومدي كفاءتها وفاعليتها في تحقيق هذه الأهداف، مع المقارنة بينها من حيث التأسيس، والأهداف، والدور، وفاعلية الأداء، وكذلك مدى توافر المعايير المؤسسية في كل منها من حيث مدى تمتعها بالقدرة على التكيف، والتماسك، والاستقلال، والتعقيد الوظيفي والبنائي.

وقد تم تقسيم الدراسة إلى أربعة فصول :

الفصل الأول: الإطار النظري للدراسة:

كان عام 1776م هو بداية الانتقال إلى أهم مرحلة في التاريخ الأمريكي، حيث تمت الوحدة بين 13 ولاية وإعلان قيام "الولايات المتحدة" كدولة مستقلة، وإذا كانت الولايات المتحدة قد انتظرت نحو 284 عاماً لتعلن استقلالها (1492 ـ 1776) فإنها قد انتظرت 183 عاماً أخرى ليكتمل عقدها، في عام 1959 بانضمام ولايتي "ألاسكا" و"جزر هاواي" إلى الاتحاد الأمريكي.

ومع التحولات التي شهدها المجتمع الأمريكي عبر قرون خمسة ـ هي عمره الرسمي منذ اكتشافه ـ نظر إلى الولايات المتحدة على أنها سلسلة متواصلة من تجارب الحياة التي قدم بها المهاجرون من كل مكان، والتي لم تنجح هذه التحولات في إلغاء خصائصهم المتميزة، هذه الخصائص التي زادت بنية المجتمع متانة وصلابة، وكانت من أهم سماته الراسخة.

وفي إطار هذه الخصوصية كان لقضايا الدين والهوية والأقلية، دوراً محورياً في المجتمع الأمريكي فرغم أن الدستور الأميركي وتعديلاته تؤكد على العلمانية والفصل بين الدين والدولة، فإن الدين كان ـ ومازال ـ يمثل عنصراً أساسياً من عناصر خصوصية المجتمع الأميركي، فالحياة الأميركية تخضع لنظام من القيم، تتفاعل داخله العديد من الأديان ولكن بدرجات مختلفة، تفصل بينها مسافات اجتماعية واتجاهات مذهبية وفكرية تؤكد على هذه التعددية.

وإذا كان الدين في المجتمع الأمريكي ـ كما يرى البعض ـ لا يؤثر في القوانين أو في تشكيل الرأي العام إلا تأثيراً ضئيلاً، فإنه يوجه عادات الجماعة وينظم الدولة عن طريق العديد من المؤسسات الاجتماعية، وإذا كان الدين لا يشترك اشتراكاً فعلياً في حكم الجماعة، فإنه يعد في طليعة المؤسسات السياسية التي تنظم هذه الجماعة.

وفيما يتعلق بقضية الهوية الأمريكية فإنه إذا كانت الولايات المتحدة ينظر إليها ـ في كثير من الأحيان ـ على أنها أمة من المهاجرين، وهؤلاء المهاجرون ولاؤهم الأول لها، وأن الهدف الرئيسي الذي أكد عليه الدستور الأميركي هو الحفاظ على وحدة الدولة، وحماية المجتمع من التفتت والانقسام والصراع، والتأكيد على التسامح الديني والمساواة الاجتماعية والعدالة، والديمقراطية، فإنه على الطرف الآخر يوجد من ينظر إليها على أنها ليست لأحد، وأنه ما كان الأميركيون عبر مراحل تاريخهم المختلفة، أمة واحدة لغوياً أو عقائدياً، أو قومياً، بل إنها مجرد وحدة سياسية فحسب.

وهو ما ترتب عليه تزايد دور الدين والعرقية كمقومات للهوية في المجتمع الأميركي، فالمواطن الأميركي أصبح يشارك في الحياة السياسية والاجتماعية لا بصفته مواطناً أميركياً علمانياً، ولكن ـ غالباً ـ بصفته بروتستانتياً، أو كاثوليكياً، يهودياً أو مسلماً، أو غير ذلك من المذاهب والانتماءات الدينية، إضافة إلى الأصول والانتماءات العرقية والإثنية التي يقوم عليها المجتمع.

بحيث أصبح وجود الأقليات والتعدد الإثني يمثل خاصية أساسية للمجتمع الأمريكي، وجزءاً لا يتجزأ من أسلوب الحياة فيه، فلم تستطع بوتقة الانصهار وعمليات الامتصاص والاستيعاب المختلفة أن تفرز خلاصة متجانسة التكوين لهذا التعدد الثقافية والإثني.

وفي هذا الإطار جاء تناول خصوصية هذا المجتمع، وقضاياه المحورية (الدين، والأقلية والهوية) مع التأصيل النظري ـ بداية ـ لهذه القضايا.

الفصل الثاني: بزوغ وتبلور الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي

لا يوجد اتفاق حول بداية الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي، إلا أن هناك شبه اتفاق حول<طبيعة هذه البداية، فقد وصل المهاجرون المسلمون الأوائل إلى المجتمع في مجموعات صغيرة، واستمروا في موجات متزايدة؛ ووصف هؤلاء المهاجرون بأنهم مغامرون جاءوا إلى العالم الجديد بحثاً عن المال. فخلافاً للمهاجرين الأوربيين، لم يأت المسلمون الأوائل إلى أمريكا لتكون مقراً دائماً لإقامتهم، فقد كانوا يسعون إلى جمع أكبر قدر من المال في أقصر فترة زمنية ممكنة ثم يعودوا إلى بلدانهم. ولكن الكثير منهم توسعت آماله وكبرت أحلامه وضعفت ـ تبعاً لذلك وبمرور الزمن ـ رغبته في العودة إلى بلده، فالذين أحرزوا نجاحات أكبر وتكيفوا مع الحياة الأمريكية وجدوا في علاقاتهم القرابية وعلاقات العمل ما يغنيهم عن أي تنظيمات أخرى.

وتحت تأثير النجاح والقدرة على التكيف مع البيئة المحيطة، زادت رغبة الكثيرين منهم في البقاء والاستقرار بصفة دائمة وإحضار عائلاتهم من البلد الأم، وقد جذبت قصص نجاحهم أقاربهم وسكان قراهم للهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا السبب بدأت تتكون مجموعات من المهاجرين تجمعهم رابطة القرابة أو المعرفة في الوطن الأم، ورابطة الجوار والتفاعل والتآزر في البلد المهاجر إليه.

ثم نظم هؤلاء أنفسهم استجابة لبعض الأحداث الاجتماعية واستجابة لبعض الضغوط والتحديات، التي دفعت المسلمين إلى تلمس الوسائل التي تؤكد وتثبت هويتهم، وكان أهم هذه الوسائل بناء المساجد ووضع البذور المبكرة للتنظيمات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والترويحية.

وفي إطار هذه المراحل جاء تناول بزوغ وتبلور الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي، وتم تقسيم هذا الفصل إلي المبحثين التاليين:

المبحث الأول: الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي النشأة والتطور وتناول البدايات الأولى للوجود الإسلامي، ثم تطور وانتشار المسلمين، وكذلك بنية الأقليات

الإسلامية، وخلص الباحث من القراءة الدقيقة لمختلف التقديرات حول عدد المسلمين في المجتمع الأمريكي، إلى أن عدد المسلمين عام 2000، يبلغ (7.15) ملايين مسلم، ارتفع في 2002 نحو (7.5) ملايين مسلم، يتوزعون بين أربع مجموعات أساسية هي:

 

م       الفئة    العدد(المليون) النسبة

1      المسلمون ذوو الأصول الأفريقية     3,61  48,2%

2      المسلمون ذوو الأصول الآسيوية     1,8   24%

3      المسلمون ذوو الأصول الشرق أوسطية      1,4   18.5%

4      المسلمون ذوو الأصول الأوروبية والأمريكية،وأخرى       0,69  9,3%

-       المجموع       7,5   100%

المبحث الثاني: الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي التبلور والنشاط:

تمثل قضية الوجود وتكوين الهوية المتميزة واحدة من أهم القضايا ـ إن لم تكن أهمها ـ التي تواجه المسلمين في المجمع الأميركي، فلقد كانت أهم مشكلة واجهت المسلمين الأوائل في المجتمع الأميركي، هي العقبات النفسية والدينية والثقافية والاجتماعية التي تتعلق بمصيرهم ومصير أبنائهم، وتراثهم وعقيدتهم في مجتمع جديد عليهم في قيمه وفي عاداته، وفي النظم والقوانين التي يسير عليها وفي الاعتبارات التي تحكم التفاعلات بين أفراده. هذه العقبات وغيرها كان لها العديد من الانعكاسات –السلبية والإيجابية – على موقف المسلمين ونظرتهم إلى أنفسهم أولاً، وإلى المجتمع المحيط بهم ثانياً، هذه الانعكاسات كانت بمثابة الأساس الذي قامت عليه هوية المسلمين في المجتمع الأميركي، بما مرت به من تطورات، وما قامت عليه من أبعاد.

وخلص الباحث إلى أن قضية الانفصال والاندماج بين الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، تثير العديد من الأبعاد الأساسية، الدينية والاجتماعية والسياسية، والتي تتعلق بمظاهر وتعبيرات الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي، وتقوم على عدد من الجوانب والركائز منها: تناول المسلمين الأمريكيين كأقلية في مجتمع غير مسلم، وتوطين الإسلام في المجتمع الأمريكي وتجاوز حالة العزلة، ومظاهر وآليات الوجود الإسلامي: والتي من بينها: المساجد، والدعوة إلى الإسلام، والتعليم والحاجة إلي تبني سياسة تربوية متكاملة، والمراكز الإسلامية ودورها في نشر مظاهر الحياة الإسلامية، والمنظمات الإسلامية والتحول من الحفاظ على البقاء إلى الفاعلية والانتشار.

الدور السياسي الفاعل

الفصل الثالث: أبعاد الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي:يتطلب الوجود السياسي الفعال للأقليات الإسلامية على الساحة الأمريكية، وعياً واقتناعاً من هذه الأقليات، بأهمية دورها وقدرتها على التأثير على القرار السياسي الأمريكي، ليستجيب لمطالبها واحتياجاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، داخلياً وخارجياً، وبما يساهم في تحقيق الأهداف السياسية من هذا الوجود الإسلامي، والتي من بينها: إثبات الوجود للمسلمين جماعة من الجماعات التي يتكون منها الشعب الأمريكي، وتأمين حقوقهم في المجتمع الأمريكي، وتمكينهم من العيش بصورة تجعل ممارساتهم لحياتهم وشؤونهم الإسلامية، أمراً يحميه القانون، وتحترمه مختلف الجماعات التي يتكون منها هذا المجتمع.

وكذلك إثبات الفاعلية والتأثير على المجتمع الأمريكي، وذلك بطرح الرؤية وتقديم الحلول الإسلامية للقضايا ذات التأثير والأهمية في مختلف المجالات الحياتية، التي يمر بها هذا المجتمع، هذا بالإضافة إلى التأثير على أجهزة ومؤسسات صنع القرار الأمريكي بما يخدم قضايا وتطلعات المسلمين، داخل المجتمع الأمريكي وخارجه..

وفي إطار هذه الاعتبارات قام الباحث بتقسيم هذا الفصل إلى مبحثين :

الأول: محددات الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأميركي:

تتوقف فاعلية الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي على العديد من المحددات التي يرتكز عليها وتؤثر في كفاءته وفعاليته، وفي إطار هذه المحددات تم التمييز بين ثلاثة مجموعات أساسية؛ وهي تلك النابعة من الأقليات الإسلامية ذاتها من حيث موقفها من المشاركة السياسية في المجتمع الأمريكي بصفة عامة، ومدى قدرتها على بناء المؤسسات السياسية ذات الطابع الإسلامي، ومدى توافر القيادة الإسلامية القادرة على توجيه وترشيد العمل السياسي للمسلمين في المجتمع الأمريكي من ناحية

ومن ناحية ثانية تلك المحددات النابعة من المجتمع الأمريكي من حيث رؤيته لهذا الدور، وموقف النظام السياسي الأمريكي من هذا الدور وكذلك موقف جماعات المصالح القائمة في المجتمع الأمريكي، بالإضافة إلى القواعد والتشريعات القانونية التي تحكم العمل السياسي ليس للمسلمين فقط ولكن لمختلف الأقليات والجماعات التي يتكون منها المجتمع الأمريكي.

ومن ناحية ثالثة تلك المحددات النابعة من البيئة الإقليمية والدولية المحيطة، والمتمثلة في التأثيرات المختلفة للأحداث الدولية والإقليمية وخاصة تلك التي ترتبط بالدول أو بالمصالح الإسلامية، في مختلف دول العالم، وانعكاساتها على الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي.

المبحث الثاني: مظاهر الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريك

قضايا الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي:عملية التكيف مع المجتمع الأمريكي من جانب المهاجرين المسلمين، ارتبطت بالعديد من القضايا (الداخلية والخارجية) التي كان لها تأثيراً كبيراً في تفعيل الدور السياسي للمسلمين في المجتمع الأمريكي، وفي هذا الإطار يمكن التمييز بين مجموعتين من القضايا:

المجموعة الأولي: القضايا الداخلية:

وهي تلك القضايا النابعة من المجتمع الأمريكي، والتي تؤثر وتحدد طبيعة الدور الإسلامي في المجتمع الأمريكي، وعلى فاعلية هذا الدور، ومن بين هذه القضايا: قضية التعليم الإسلامي، وقضية الصورة النمطية السلبية عن المسلمين، وقضايا العنف والمخدرات والتفكك الأسري، ومراجعة قانون الأدلة السرية، وقضايا التمييز العرقي ضد المسلمين.

المجموعة الثانية: القضايا الخارجية:

ويقصد بها تلك القضايا النابعة من الدول والمجتمعات الإسلامية التي تنتمي إليها الجماعات الكبرى التي تتكون منها الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، والتي يمكن أن تؤثر على طبيعة دور هذه الأقليات في المجتمع الأمريكي، وعلى فاعلية هذا الدور، ومن بين هذه القضايا: قضية الصراع العربي الإسرائيلي، وقضية القدس، وقضية العقوبات ضد العراق، وقضيتا البوسنة وكوسوفا، وقضيتا كشمير والشيشان، وقضية الدعم الإنساني لأفريقيا.

التنظيمات الإسلامية في المجتمع الأمريكي:

مع تعدد القضايا التي تشكل محاوراً لاهتمام الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، تعددت التنظيمات والمؤسسات التي نشأت للدفاع عن حقوق ومصالح المسلمين، وبيان وجهة النظر الإسلامية في هذه القضايا، ورغم التعدد في التنظيمات والجمعيات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، ومع الاعتراف بأهمية كل منها في تفعيل الدور السياسي للأقليات الإسلامية في هذا المجتمع، فإنه ـ لاعتبارات الدراسة وحدودها الزمنية والموضوعية ـ يتم التركيز على ثلاث منظمات فقط، من بين هذه المنظمات من حيث بيان نشأتها، وتطورها ودورها في العمل السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، وتتمثل هذه المنظمات في: منظمة أمة الإسلام، والمجلس الإسلامي الأمريكي، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، وجاء اختيار هذه المنظمات نابعاً من عدة اعتبارات، من بينها، اتساع القاعدة التمثيلية لهذه المنظمات في أوساط المسلمين الأمريكيين، وفاعلية الدور السياسي الذي تقوم به في المجتمع الأمريكي.

الفصل الرابع: تحديات الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي:على الرغم من أن الفترة الزمنية التي تغطيها الدراسة تمتد بين عامي 1990 و2000، إلا أن حدثاً بحجم ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية في الحادي عشر من سبتمبر 2001، كان من الصعب تجاهله، أو تجاهل آثاره وانعكاساته ليس فقط على الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، ولكن أيضاً على مستقبل الوجود الإسلامي في هذا المجتمع، وهو ما كان دافعاً لاعتبار هذا الحدث نقطة فاصلة في تاريخ هذا الدور وذلك الوجود، وعلى أساسه تم تقسيم هذا الفصل، والذي جاء على النحو التالي:

المبحث الأول: تحديات ما قبل أحداث سبتمبر 2001

يواجه الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي بالعديد من التحديات، التي تتفاوت في طبيعتها ما بين سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية، وما بين مصدرها، ما بين تلك النابعة من هذه الأقليات ذاتها، أو تلك النابعة من البيئة المحيطة بها سواء أكانت من داخل المجتمع الأمريكي، أو من دول الأصول التي تنتمي إليها العديد من الجماعات والقوميات التي تتكون منها هذه الأقليات، وفي إطار هذا التعدد وذلك التشابك، فإنه في إطار التحديات التي تواجه الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، تم التمييز بين:

التحديات النابعة من الخصائص السلوكية:

وتشمل: التناقض وعدم القدرة على الفهم السليم للإسلام والتراث الإسلامي، والفهم السليم للحضارة الغربية والنظرة العادلة لها، والتحديات التي تواجه الأسر المسلمة، وطبيعة تربية الإنسان في البلدان الإسلامية التي هاجروا منها، وضعف الوعي بأهمية العمل السياسي، والسلبية السياسية.‏

التحديات النابعة من الخصائص التنظيمية ومنها:

غياب التنسيق بين التنظيمات الإسلامية‏، ومحدودية القدرات التمويلية، وعمومية النشاط ونقص الخبرات السياسية، والتحديات المرتبطة بقضايا العضوية، وتحدي التعددية وتشرذم الهوية داخل الأقليات الإسلامية

هذا بجانب التحديات النابعة من طبيعة القضايا التي تدافع عنها، والتحديات النابعة من هيكل صنع القرار، والتحديات النابعة من البيئة السياسية الداخلية والتي من بينها: الصورة السلبية، واللوبي الصهيوني، والتيارات المسيحية الأصولية، والميليشيات المسيحية المسلحة، والجماعات والتيارات الفكرية المتطرفة، والتحديات الإعلامية.

التحديات النابعة من البيئة السياسية الخارجية:

وترتبط هذه التحديات بدرجة كبيرة بالقضايا والأحداث والتحولات التي تشهدها الساحة العربية والإسلامية، والتي ينتمي إليها معظم المسلمين في المجتمع الأمريكي، وتؤثر على دورهم، وممارساتهم داخل المجتمع الأمريكي، ومن أبرز هذه الأحداث والتي تركت تأثيراً سلبياً على الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي (الحرب العراقية الإيرانية بين 1980 و1988، والغزو العراقي لدولة الكويت في الثاني من أغسطس 1990، وتطورات الصراع العربي الإسرائيلي، وتطورات الأوضاع في عدد من الدول الإسلامية وما تشهده من حروب أهلية وأزمات داخلية وانتشار موجات العنف، واستغلال ذلك لتشويه صورة الإسلام في المجتمع الأمريكي، والخلافات والصراعات السياسية بين معظم الدول الإسلامية، والتي يتم تضخيمها، من جانب وسائل الإعلام المضادة، لتأكيد الصورة النمطية السائدة عن الإسلام والمسلمين في المجتمع الأمريكي).

أزمة اا سبتمبر

المبحث الثاني: تحديات أزمة سبتمبر 2001

تمثل أزمة الحادي عشر من سبتمبر مرحلة فاصلة في تاريخ الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي، وذلك أمام ما ترتب عليها من آثار وتحديات، علي الأقليات الإسلامية، وعلي الدور السياسي الذي تقوم به داخل المجتمع الأمريكي، وأمام أهمية الأزمة، وما ترتب عليها، يأتي تناولها علي محورين أساسيين.

أولاً:آثار الأزمة وتداعياتها:

المجموعة الأولي: الآثار السلبية للأزمة ومنها: الخسائر والأضرار المادية، وتزايد حالات الاعتداء على الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، وترسيخ الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين في أذهان الأمريكيين، وتهديد حقوق المسلمين في الولايات المتحدة، والتأثيرات السلبية للأزمة على النشاط السياسي للأقليات الإسلامية.

المجموعة الثانية: الآثار الإيجابية ومنها: التزايد الملحوظ في عدد الفتيات المسلمات اللاتي قررن ارتداء الحجاب فيما وصف بأنه رد فعل عكسي ورغبة منهن لإظهار اعتزازهن بدينهن، وأن الأزمة فتحت أمام المنظمات المسلمة الأمريكية، أبواب أكبر المؤسسات السياسية والإعلامية الأمريكية، كما خلقت شعورا بالتوحد والتحدي داخل المجتمع المسلم الأمريكي، هذا بجانب تزايد أعداد المترددين بانتظام على المساجد.

وبعد تناول هذه الآثار تناولت الدراسة الإدارة الأمريكية للأزمة، والأساليب التي اعتمدت عليها داخلياً وخارجياً، ورد فعل المنظمات الإسلامية تجاه الأزمة وآثارها وكيفية التعامل معها.

وقد انتهت الدراسة إلى عدد من النتائج الأساسية:

أولاً:أن هناك علاقة ـ نسبية ـ بين حجم الأقلية وشعورها بالسمات التي تمنحها الخصوصية في هويتها، وتميزها عن الجماعات الأخرى في المجتمع، وتتمثل هذه العلاقة في أنه كلما زاد حجم الأقلية وزاد تأثيرها داخل المجتمع، كلما زاد تمسكها بهويتها المتميزة، وحرصها على إبراز عوامل التميز التي تتسم بها (مع ملاحظة وجود استثناءات على هذه القاعدة، وهو ما ينطبق على الأقلية اليهودية في المجتمع الأمريكي فعلى الرغم من قلة عددها فإنها تتميز بقوة التأثير، وشدة التماسك بين عناصرها، وكذلك بشدة حرصها على إبراز العناصر والخصائص التي تميزها).

ثانياً:أن الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي، قد بدأ مع اكتشاف الولايات المتحدة، حيث تحدثت كتابات المؤرخين واكتشافات الجغرافيين عن وجود مسلمين في الرحلات الجغرافية التي تمت لاكتشاف الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن نمو هذا الوجود ظل يسير بمعدلات بطيئة، حتى النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث شهدت هذه الفترة تسارع معدلات الهجرات الإسلامية إلي الولايات المتحدة، ارتباطاً بالظروف والمتغيرات الداخلية والدولية في الدول الإسلامية.

ثالثاً:أن الأقليات الإسلامية في الولايات المتحدة لا تعبر عن جماعة واحدة لها سمات وقواسم مشتركة تجمع بين أعضائها وتمنحها هوية واحدة، فالأقليات الإسلامية تتكون من العديد من الجماعات والانتماءات والتصنيفات، والتي في إطارها تم التمييز بين أربع مجموعات أساسية: ذوي الأصول الأفريقية، وذوي الأصول الأسيوية، وذوي الأصول الشرق أوسطية، وذوي الأصول الأوربية والأمريكية.

ولكن هذا التنوع لا ينفي وجود قواسم مشتركة ـ وإن كانت محدودة ونسبية ـ تجمع بين معظم هذه الجماعات أهمها الاشتراك في العبادات الدينية، وأسس المعاملات بين الأفراد والجماعات كما شرعها الدين الإسلامي، وكذلك وجود نوع من الثقة في التفاعل بين المسلمين وبعضهم البعض هذه الثقة التي تستند بالدرجة الأولى إلى قناعة المسلمين بتأثير دينهم في قيم وأخلاقيات أتباعه، يضاف إلى ذلك وجود نوع من التوحد خلف العمل علي الدفاع عن الحقوق الإسلامية، والدعم والمساندة للجهود التي تبذل في عدد من القضايا الرئيسية الداخلية (مثل قضية الحقوق المدنية للمسلمين، والرد على محاولات تشويه صورة الإسلام والمسلمين، ..)، والخارجية (مثل قضية القدس، ..).

رابعاً:أن هناك العديد من المحددات التي تتوقف عليها طبيعة وفاعلية الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، وفي إطار هذه المحددات تم التمييز بين ثلاثة مجموعات أساسية: المحددات النابعة من طبيعة الأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، والمحددات النابعة من المجتمع الأمريكي، والمحددات النابعة من البيئة الإقليمية والدولية المحيطة.

خامساً:أن أحداث سبتمبر 2001، مثلت لحظة انقطاع في القضايا التي تمثل محوراً لاهتمام المسلمين في المجتمع الأمريكي، حيث وضعتهم في موقع انتظار وترقب لما ستسفر عنه الأزمة ورد الفعل الأمريكي الرسمي والشعبي عليها، ولذلك حاولت التنظيمات السياسية ذات التوجهات الإسلامية العاملة في المجتمع الأمريكي، إعادة صياغة قضاياها وتزويدها بمجموعة من القضايا القادرة على جذب اهتمام جماهير المسلمين الأمريكيين، وتفعيل دورهم في المجتمع.

سادساً:أن أحداث سبتمبر لم توقف عجلة تطور الوجود الإسلامي في المجتمع الأمريكي وذلك لعدة اعتبارات من بينها؛ طبيعة هذا الوجود، من حيث استناده على الهوية الإسلامية كمصدر للقيم والتوجهات، مما يجعل المسلمين أقل تعرضاً لضغوط الذوبان السياسي والاجتماعي داخل المجتمع الأمريكي، فالهوية الإسلامية تمدهم بمصدر دائم للتميز والتفرد والذاكرة الجماعية المستقلة داخل المجتمع الأمريكي.

وكذلك طبيعة تطور هذا الوجود كتطور طبيعي، ليس وليد فترة زمنية محدودة، ولا يرتكز على مؤسسة بعينها أو فرد بذاته أو جماعة سياسية ذات أيدلوجية بعينها، إنما هو تطور طبيعي نتج على مدار فترات تاريخية ممتدة بدأت مع اكتشاف المجتمع الأمريكي ذاته، كما يعتمد في طاقته على قدرات بشرية وفنية من أبناء المسلمين الأكثر قابلية وقدرة على الانخراط في المؤسسات السياسية والإعلامية الأمريكية، كما يرتكز على مئات المساجد والمراكز والتنظيمات، وكذلك على جو من حرية الفكر والعبادة يساعد على التحرك بفاعلية.

سابعاً:أن الدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي، يتحرك في الإطار الذي يمكن أن يقود ـ مع الحرص على تفعيل القدرات التي يمتلكها المسلمون في المجتمع الأمريكي ـ إلى مستقبل أفضل، مستقبل يستطيع من خلاله المسلمون الأمريكيون التأثير في صياغة السياسات الأمريكية، الداخلية والخارجية، مستقبل يضمن لهم القدرة ليس فقط على الدفاع حقوقهم ومقدساتهم، ولكن أيضاً السعي نحو تعظيم هذه الحقوق وتلك المكاسب.

وهو ما يتطلب ـ من القائمين والمعنيين بالدور السياسي للأقليات الإسلامية في المجتمع الأمريكي ـ بلورة استراتيجية واضحة تقوم على مبدأي التنوع (في الحاجات والاختصاصات والجماعات وبالتالي في المراكز والهيئات والمنظمات)، والوحدة (في المنهج وفي الأهداف والغايات)، حتى يصبح هذا التنوع إثراء للعمل الإسلامي، ودعماً لمسيرته داخل المجتمع الأميركي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق